إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
شرح القواعد الأربعة
28287 مشاهدة
القاعدة الثانية: من الشرك طلب الشفاعة والزلفى إلى الله بما لم يشرعه

القاعدة الثانية: أنهم يقولون: ما دعوناهم وتوجَّهنا إليهم إلا لِطلب القربة والشفاعة.
فدليل القربة قوله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ .
ودليل الشفاعة قوله تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ والشفاعة شفاعتان: شفاعة منفيِّة، وشفاعة مثبتة.
فالشفاعة المنفية: ما كانت تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله.
والدليل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ والشفاعة المثبتة: هي التي تطلب من الله، والشافع مكرم بالشفاعة، والمشفوع له من رضي الله قوله وعمله بعد الإذن، كما قال تعالى مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ


هذه القاعدة مكملة للقاعدة الأولى، يعني: أن المشركين يعترفون بأن الله تعالى هو الرب الخالق المالك المتصرف، ومع ذلك يعبدون هذه الأوثان، وهذه المعبودات: من أموات وجمادات وأشجار وأحجار، لماذا يعبدونها؟ يجعلونها وسائل ووسائط تقربهم إلى الله، وتشفع لهم، وهم يعترفون أن الله تعالى هو المتصرف، ولكن يقولون: لا بد أن نتخذ شفعاء يشفعون لنا عند الله، وينفعوننا، فلذلك جعلوها وسائط.
ومن جعل بينه وبين الله تعالى وسائط -يدعوهم ويزعمون أنهم ينفعونهم عند الله- فقد أشرك، وقد أشبه المشركين. وهذا ما يعتقده أيضا القبوريون، فإن عذرهم: الشفاعة، أو الوساطة، أو مثل ذلك، فالمشركون الأولون يقولون: نريد منهم القربى، ونريد منهم الشفاعة، هذا قصدهم.
ذكروا في دليل القربى في هذه الآية في سورة الزمر قول الله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ أي يقولون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى وهذه مقالة القبوريين، يعني يقولون: إننا نريد أن يقربونا إلى الله، ولكن المشركين الأولين يعرفون اللغة، ويعرفون مدلولاتها، فيعرفون أن فعلهم هذا ليس إلا تعبدًا وتذللًا، فلذلك قالوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى فسموا فعلهم وتذللهم عبادة، وأما القبوريون فإنهم تحاشوا أن يسموه عبادة؛ لأنهم يقرءون قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ فلذلك غيروا الاسم، وسموه توسلا وتوسطا واستشفاعا وما أشبه ذلك.
والأسماء لا تغير الحقائق؛ فإن العبرة بما في نفس الأمر، العبرة بالأفعال. عرفنا أن المشركين يعبدون آلهتهم، ويسمونها آلهة، لأن قلوبهم تألههم، والذين وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً يعني: سموها آلهة، وقالوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا لأنهم يألهونها.
وسموهم أولياء، يعني أنهم يتولونهم، اتخذوا من دون الله أولياء أي: يتولونهم أو ينصرونهم أو يدَّعُون أنهم لهم أولياء، ويعبدونهم، ويعترفون بأن فعلهم عبادة، ويقولون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى نحن بعيدون، أبعدتنا ذنوبنا، وهؤلاء مقربون، فإذا عبدناهم قربونا إلى الله، وإذا سألناهم سألوا لنا الله.
فالزلفى هي: جمع زلفة، فزلفة الدرج، يعني: يصعدون بمنزلتهم: أي درجات، إلى أن يقربونا إلى الله، ويقربونا إلى رضاه. هذه شبهتم، كذلك القبوريون.
وأما الشفاعة، فالشفاعة دليلها ما ذكر في هذه الآية في سورة يونس قول الله تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ يصرحون بأنهم شفعاء، يشفعون لهم عند الله. والشفيع هو: الواسطة، وسمي شفيعا لأنه إذا انضم إلى المشفوع له أصبح شفعا، يقولون: أنا واحد، أنا فرد، أنا وِتْر، أريد أن ينضم إلي هذا الولي، أو هذا النبي، وإذا انضم إلي صرنا شَفْعًا، يشفعني. الفرد، الوتر هو: الواحد، والاثنان: شفع، لقوله تعالى: وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ يعني: أنه إذا انضم إليَّ صيرني شفعا، فأتقوى به فيشفع لي، فيتوسط لي عند الله، أنا أدعوه وهو يدعو الله لي، فجعلوا هذا شفيعا. يقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، يشفعون لنا حتى يرزقنا، وحتى يوسع علينا، وحتى ينصرنا على أعدائنا، يحصل لنا بشفاعتهم مصالح وخيرات؛ فسموهم شفعاء. وهكذا أيضا ذكر الله عن مؤمن ياسين أنه قال: أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا أي: لا تنفعني شفاعتهم. فدل على أن من مقاصد المشركين الشفاعة، يدَّعُون أن هذه الأوثان التي يعبدونها تشفع لهم عند الله.